ملخّص بحث الشيخ عبّاس علي كاشف الغطاء الموسوم بـ(مشروع فتوى الدّفاع المقدّس)...
04/21/2018 | المشاهدات : 706
تمثّل المرجعيّة الرشيدة أهمّية كبيرة في تاريخنا الإنساني، وتشكّل عنصراً مهمّاً من عناصر الحضارة الإنسانيّة، وتمخّضت عن مواقف حاسمة في حياة العراق الوطنيّة عند اشتداد الأزمات خاصّة، وعند كلّ نكبة نجدها تتحمّل أعباء إعادة التوازن الى العراق وإبعاد الخطر عن الدين والوطن والإنسان.
وقد كانت ورقة بحثي بعنوان: (مشروع فتوى الدفاع المقدّس) أوضحت فيها اهتمام مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) بمشروعية الفتوى، ذاكراً تطوّر الشرعيّة للحكم الشرعيّ بدءً من الرسول الأعظم(صلى الله عليه وآله).
(وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَىٰ * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَىٰ) ثمّ ما جاء به النصّ من الرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله) الى الأئمّة المعصومين(عليهم السلام) وما قرّره المعصوم بإرجاع الأمّة الى السفراء الأربعة في الغيبة الصغرى ثمّ الرجوع الى الفقهاء المجتهدين العادلين في عصر الغيبة الكبرى، أعني الرجوع لطبقة معيّنة من الناس بمواصفات معيّنة.
ثمّ الرجوع الى الأمّة الإسلاميّة في يومنا الحاضر، لأنّ الأمّة أصبحت قادرة على تحمّل المسؤولية، فأصبحت الشرعيّة بيدها.
وتدور هذه الدراسة حول مفهوم أساس هو مفهوم الشرعيّة لفتوى الدفاع المقدّس ضدّ موجات العنف والعمليات الإرهابيّة التي جاءت من خلف الحدود، وقد حقّقت فتوى الدفاع المقدّس غايتها في بثّ روح التضحية واستنهاض قوى البصيرة، فضلاً عن ذلك فقد وضعت الفتوى المباركة موازنة مذهلة لدور الدين القياديّ إذ ظهرت الاستجابة الشعبيّة في مختلف أطياف الشعب العراقي.
وقد جاء البحث على ثلاثة مباحث ضمّ المبحث الأوّل مفهوم الشرعيّة، إذ ذكرت فيه كلمات سماحة السيد السيستاني(دام ظلّه) في خطابه للقوّات المسلّحة ودعوتهم لتحمّل مسؤولياتهم للدفاع عن الوطن بعد فتوى الوجوب الكفائي، وتناولت فيه مرجع الشرعيّة في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) والشرعيّة في منظور علم السياسة، والشرعيّة في المفهوم الإسلامي وأسباب الأزمة الشرعيّة، ثمّ مشروعية الفتوى بعد ما أعطى سماحته (دام ظلّه) الشرعيّة للعراقيّين وزرع الثقة في نفوسهم وحمّلهم مسؤولية تسليم الأمور مستقبلهم بأيديهم من خلال صناديق الانتخاب، وحينما افتى بفتوى الدفاع المقدّس لبّوا جميعاً ذلك النداء بروح إيمانيّة مطمئنّة.
وذكرت في المبحث الثاني شرعيّة الفتوى على جميع المباني الفقهيّة، حيث لم تكن فتوى الدفاع المقدّس ناقصة الشرعيّة على جميع مباني الفقه، مثل مبنى ولاية الفقيه أو مبنى الشورى أو مبنى ذم الفقيه في السلطة أو مبنى دور الإمامة في الشرعيّة، وهو ما تبنّاه سماحة السيد (دام ظلّه) إذ أوجب تدخّل المرجع المنتخب من الفقهاء والمقبول من الأمّة للتصدّي للأمور العامّة، وأوضحت أنّ شرعيّة فتوى الدفاع المقدّس كانت من العراقيّين لأنّ سماحته أعطى الشرعيّة بيد العراقيّين في اختيار حكمهم وحاكمهم، وكان مبنى سماحته أنّ المرجع الذي يكون حكمه نافذاً بقبولهم له، لذا عندما أفتى سماحته بفتوى الدفاع المقدّس وكانت شرعيّتها ومقبوليّتها نافذة على العراقيّين بعدما رضوا واختاروا سماحته مرجعاً دينيّاً لهم.
وكان المستند الشرعيّ لفتوى الدفاع المقدّس هو شرعيّة المقاومة الداخلية والمقاومة الخارجية التي تمثّلت بصدّ عدوان الهجمة الداعشية التي شملت المضمونين، لأنّ المبنى الفقهي للمقاومة معروف المستند من الكتاب العزيز والسنّة الشريفة بدءً من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الى التغيير باليد ومعناها المقاومة المسلّحة، إذ أنّ من المباني الفقهية للمقاومة الخارجيّة هو إجماع المسلمين بلا استثناء على وجوب الدفاع عن بلاد المسلمين، وقد انطلقت هذه الفتوى المباركة من جهة شرعيّة متيقّنة من منشأ وجودها وانبثقت بمنطلقات عقليّة مؤمنة عبر استنهاض شرعيّ ووطنيّ وأخلاقيّ، لصدّ أيّ تجاوز على كرامة الدين والوطن والإنسان.
أمّا المبحث الثالث فقد أوضحت فيه مصدر الشرعيّة في عصر الغيبة وهي الأمّة عندما لا يوجد نصّ، وتكون هي مصدر السلطات فلها الحقّ في تنصيب الحاكم واختيار شكل الحكم. قال الإمام علي(عليه السلام) في عهده الى مالك الأشتر(رضوان الله عليه): (وليكن في حبّ الأمور اليك أوسطها في الحقّ وأعمّها في العدل وأجمعها لرضا الرعيّة، فإنّ سخط العامّة يجحف برضا الخاصّة، وإنّ سخط الخاصّة يغتفر مع رضا العامّة).
وفي هذا الإطار نفسه يتضمّن كتاب الإمام الحسين(عليه السلام) الى أهل الكوفة الذي أرسله مع مسلم بن عقيل(رضوان الله عليه) ما ورد فيه: (قد اجتمع رأي ملئكم وذوي الحجى والفضل منكم على مثل ما قدمت به رسلكم وقرأت في كتبكم فإنّي أقدم اليكم وشيكاً) وهذا يدلّ على مكانة الأمّة والأكثريّة والرأي العام في مصدر الشرعيّة.
وهذا أيضاً هو عينه الذي عبّر عنه سماحته في لقاءاته مع الناس إذ أكّد أهمّية الشعب العراقي بقوله: (أنا خادم للعراقيّين) لأنّه يرى الشعب هو مصدر الشرعيّة.
وعدّدت في هذا المبحث الثالث أسباب النصر لفتوى الدفاع المقدّس، وكان أهمّها حسن التقدير وهو فهم الواقع وبناء علاقة طيّبة مع الناس وربط النهضة التضحويّة بمسيرة سيّد الشهداء الإمام الحسين(عليه السلام)، والإخلاص في الدفاع عن المقدّسات والوطن وتمسّك المدافعين بالدعاء والالتجاء الى الله تعالى في نصرهم، واعتقادهم بأنّ النصر بيد الله (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِندِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ)، وتأكيد سماحته على أهمّية التحلّي بالصبر في مثل هذه الظروف وتحذيره من اليأس والقنوط في نفوس العراقيّين، وقد حشدت الفتوى المباركة العراقيّين بكلّ ما أوتوا من حول وطول وقوّة لقتال الدواعش التكفيريّين سواءً بالعدل أو السلاح.
وقد أوصى سماحته أن لا يقاتلوا شيخاً فانياً ولا طفلاً ولا يروعوا امرأة ولا يغدروا ولا يمثّلوا ولا يقتلوا الذرّية، وحثّهم على إطعام الأسرى ودفن القتلى ومداواة الجرحى لاحترام إنسانيّتهم لأنّ فنوى الدفاع المقدّس هي لصدّ عدوان الأشرار لا للانتقام، لذا تحلّى المدافعون العراقيّون بالصفات الأخلاقية والقيم الإسلاميّة ممّا جعل الله معهم والنصر حليفهم.
اللهمّ إنّا نرغب اليك في دولة كريمة تعزّ بها الإسلام وأهله وتذلّ بها النفاق وأهله وتجعلنا فيها من الدّعاة الى طاعتك والقادة الى سبيلك وأن ترزقنا بها كرامة الدنيا والآخرة.
اللهمّ ارحم شهداءنا من القوّات المسلّحة والحشد الشعبي واحشرهم مع مولاهم سيّد الشهداء أبي عبد الله الحسين(عليه السلام) والحمد لله أوّلاً وآخراً والصلاة والسلام على محمد وآله الطيّبين الطاهرين.
إعداد و تصميم و برمجة شعبة الإنترنت في العتبة العباسية المقدسة